تهديدات خطيرة تطال الإنسان والبيئة..

تحقيق لـ"يمن شباب نت" يكشف مخاطر وأضرار تحويل وادي "الضباب" بتعز من متنزه طبيعي إلى مقلب للقمامة بسبب الحرب

 "كنت أذهب، مع أسرتي، إلى وادي الضباب أسبوعيا للتنزه، ولا أعود إلا حين تكون الشمس على وشك الغروب، كي أستمتع بالألوان الجميلة التي تودعنا بها"، يقول جلال عبد الله الشرعبي، قبل أن يستدرك متحسرا: "أما الآن، بدلا من ذلك، أصبحنا نشاهد تلك النار الحمراء البرتقالية المزعجة، المنبعثة من إحراق القمامة في المقلب الجديد هنا".
 
وتحدث جلال لـ"يمن شباب نت"، عن الحال المزري الذي وصل إليه متنزه "وادي الضباب"، المتنفس الطبيعي الوحيد لسكان مدينة تعز، مبديا أسفه لتحول منطقة "الكسارة"، هناك، إلى مكب نفايات، تُحرَق فيه أطنان من القمامة القادمة من مديريات المدينة كل يوم..
 

"الضباب" متنفس تعز الوحيد


 
كانت مدينة تعز- عاصمة المحافظة- تحاط بمساحات خضراء من كافة اتجاهاتها الأربع، حيث تتداخل تفاصيل المدينة الحضرية الصغيرة- بمبانيها المتوسعة، وجبالها الشاهقة والمترامية، وسهولها المنبسطة- مع أجواء الريف المحيط بمعصمها، بطبيعته الخضراء الخلابة..؛ قبل أن تتوسع المدينة وتتمدد نحو اطرافها، لتطغى بعمرانها الحضري على معظم أجزائها الريفية القريبة، وتحيلها إلى نسخة منها..
 
وفقط، ظل "وادي الضباب"، الملتصق بالمدينة من مدخلها الجنوبي الغربي، محتفظا بطبيعته الريفية الساحرة. ورغم الزحف العمراني المتسارع نحوه؛ إلا أنه ما زال يتربع عرش السياحة الداخلية، كمتنفس طبيعي وحيد للمدينة، خصوصا بعد تحريره، مؤخرا، من قبضة الحوثيين منتصف العام 2016، فيما لا تزال المدينة تعاني حصارا مطبقا من كافة منافذها الأخرى، بسبب الحرب.  
 
ويمتاز وادي الضباب باشجاره الكثيفة الوارفة، المنشرة على أمتداد البصر في الوديان والسهوب والجبال المحيطة، المخضرة طوال العام، غير متأثرة بتقلبات الطقس وفصوله الأربعة. وتضفي جداول المياه الجارية بين الوديان، المتداخلة فيما بينها، روعة وجمالا دائما على المكان..
 
وما زالت أغنية الفنان اليمني الكبير، أيو طارش عبسي، تصدح بطبيعته الغناء المرتبطة بطقوس العشق، واشوق المحبين:

وادي الضباب ماءك غزير سَكَّاب؛
نُصَّك سيول والنُصْ دمع الاحباب

نُصَّك دموع من عين كل مشتاق؛
تجري على خده دموع الاشواق
 

من متنزه سياحي إلى بيئة خطرة
 
 اعتاد المواطنون، في محافظة تعز، على زيارة وادي الضباب في مختلف الأوقات، لا سيما في الإجازات، وأيام الجمعة التي تكتظ بزوار الوادي، كمتنفس وحيد وفريد يساعدهم على تخفيف بعض ضغوطات الحياة، التي تزداد سوءا، يوما بعد آخر، مع استمرار الحصار والحرب منذ العام 2015.


 
وأنت في طريقك إلى منطقة الضباب، خارجا من المدينة، وقبل أمتار قليلة من وصولك نقطة التفتيش العسكرية الرئيسية، المعروفة بإسم "الهنجر"، هناك إلى الجنوب، من الطريق الأسفلتية المؤدية إلى عمق وادي الضباب، تنتصب تلة جبلية مرتفعة، كانت في السابق عبارة عن متنزه سياحي رائج، يُعرف بإسم: "حدائق الصالح"..
 
في السابق، شكل المتنزه، الواقع على إطلالة استراتيجية مطلة على الطريق الرئيسي، والوديان الخضراء المحيطة، مكانا مناسبا للزوار، الهاربين من زحمة المدينة واجوائها المكتظة بالملوثات الهوائية، والراغبين في الاستمتاع بالطبيعة الخلابة وهدوء الريف التعزي الساحر..
 
كان ذلك في السابق، قبل أن يصبح اليوم من أكثر الأمكان تلوثًا بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية بتعز، حيث يصعب حتى مجرد الإقتراب منه..!!
 
بدأ هذا التحول، منذ جاءت الحرب، حيث حولت ميليشيات الحوثي هذا الموقع الاستراتيجي الجميل إلى ثكنة عسكرية. وبعد أن تم طردها من الجبل، كان المتنزه الجميل قد تحول إلى مجرد حطام، بعدها قررت السلطة المحلية اتخاذ الموقع مقلبا للنفايات المتخلفة عن المدينة ومديرياتها..
 
وأكد مدير صندوق النظافة والتحسين بمحافظة تعز عبدالله جسار، لـ"يمن شباب نت"، أن تحويل مقلب القمامة الى حدائق الصالح، كان اضطراريا، بعد الحصارالذي فرضته مليشيا الحوثي على تعز، وإغلاقها كافة المنافذ على المدينة، بما فيها المنفذ الغربي الذي يوجد فيه مقلب القمامة الدائم بمفرق شرعب، الواقع حاليا تحت سيطرة الحوثيين.
 
ويضيف جسار: ونتيجة لذلك، ظل البحث قائما عن مكان بديل، مناسب، لنقل القمامة المتكدسة في المدينة إليه، حتى تم اختيار الجبل خلف حدائق الصالح في 2017، وهو موقع يتبع مواطنيين تم استئجاره منهم، كمقلب "مؤقت"، في ظل استمرار حصارالمدينه من قبل المليشيا الحوثيه.
 
ومنذ ذلك الحين، تحولت مخاوف المدنيين هناك، من خشية الموت بمخلفات الألغام، التي زرعتها مليشيات الحوثي في المنطقة أثناء تواجدها، إلى الهلع من خطر التلوث البيئي الناجم عن تكديس، أو إحراق، مخلفات القمامة.
 

معاناة نفسية وصحية

بالنسبة لجلال الشرعبي، الزائر الدائم من المدينة إلى الضباب، ما عاد كما كان في السابق، مولعا بزيارة المنطقة، كما يقول لـ"يمن شباب نت"؛ بل أصبحت زياراته نادرة ومتباعدة، وغالبا تحت إلحاح الأسرة، وخصوصا الأطفال. وحين يقرر ذلك، يختار أماكن بعيدة عن مكب النفايات، هربا من الدخان المتصاعد عن احتراقها، حفاظا على صحته وأسرته.


 
أما سكان منطقة "الكسارة"، أنفسهم، فلا يتوقفون عن الشكوى، منذ تم تحويل مقلب القمامة الرئيسي للمدينة إلى منطقتهم، وأكثرهم شكوى أكثرهم قربا منه؛ بمساكنهم وأطفالهم ومزارعهم، ما يجعلهم أكثر عرضة للأضرار الصحية والنفسية..!!
 
تقول أم محمد عبده: "اخترنا منزلنا على هذا المرتفع، كي نحظى بمنظر جميل مع هواء نقي، لكنه الآن تحول إلى كارثة، بعد استحداث هذا المكب.. حتى أننا اصبحنا نكره هبوب الريح، لأنها تنقل إلينا الأدخنة الناجمة عن إحراق تلك النفايات، ورائحتها النتنة".
 
وتضيف لـ"يمن شباب نت": لم نعد نفتح النوافذ التي يدخل منها الدخان مباشرة، بسبب تلك الرائحة السيئة التي يحملها، حيث تتحول رائحة المنزل كله إلى أشبه بمكب نفايات..!!
 
ما سبق، لم يكن سوى جانبا من شكوى أم محمد في التأثيرات "النفسية". أما صحيا، فتؤكد أنها أصبحت- مؤخرا- تعاني من تحسس دائم، مع آلام، في الجيوب الأنفية؛ وأطفالها يعانون من الزكام، من وقت لآخر، بفعل الجو الملوث..
 
ولم تخفي خشيتها من أن تكون- أو أحد أطفالها- قد أصيبوا بأحد الأمراض الخطيرة، التي تنجم عن التعرض الدائم للملوثات البيئية..!!
 

أطفال بلا حواس ومنازل مهجورة

 

أكياس قمامة سوداء متناثرة على مسافات متقاربة وأخرى بعيدة، ودونها أكياس بلاسيتيكة ملونة تنتشر في كل مكان؛ على سطح الأرض المتعرجة، وفي التربة المتفحمة، وبين الصخور، أو عالقة بين الأشجار. ووسط الدخان الكثيف المتصاعد، الذي يغطي المنطقة ومحيطها، تحلق الطيور في حركة دائبة، صعودا وهبوطا، دون توقف..
 
كلما أقتربت أكثر، كلما أزدادت فضاعة رائحة النفايات، وأحتراقها؛ شعرت أن الصُداع يكاد يفجر رأسي بفعل تلك الرائحة، قررت التوقف وعدم الإقتراب أكثر. ومن مكاني البعيد قليلا عن المكب، هالني أن شاهدت على ظهره أطفالا يرعون الماشية؛ كانوا بين أكوام النفايات منهمكين في استشكافاتهم الطفولية؛ ربما فقدوا حاسة الشم، أو لكأنهم تركوا أنوفهم في منازلهم وجاءوا دونها..!!
 
على بعد أمتار قليلة فقط، توجد مساكن ومزارع، تنتشر في محيط الجبلين اللذين يقع مكب النفايات بينهما. وبالقرب أيضا أراض شاسعة ما تزال فارغة؛ كان أصحابها قد اشتروها في السابق ليبنوا عليها منازلهم المستقبلية، حتى جاء مقلب القمامة هذا، ليحيل أحلامهم تلك إلى سراب..!!
 
كان منزل "هائل الضباب"، القريب من مكب النفايات المستحدث، شبه مهجور. فهو منذ فترة لم يعد يطيق البقاء فيه، مفضلا الإبتعاد عن المنطقة بسبب الضيق والتوتر الذي يشعر بهما، حيث لم يعد قادرا على فتح النوافذ لاستنشاق الهواء النقي..!!
 
وحاليا، يعمل "هائل" في عياده تعاونيه في منطقة "النوبة"- مفرق ميلات- وهي قرية تبعد قليلا عن مقلب القمامة. ومن خلال عمله هذا، يقول هائل لـ"يمن شباب نت"، إنه أصبح يلاحظ انتشار الإلتهابات الرئوية بين مرتادي العيادة، وتحديدا الأطفال الذين يسكنون بالقرب من المقلب..!!
 

أضرار وتأثيرات صحية خطيرة

 تحذر كثير من الدراسات حول العالم من خطورة التلوث، بأنواعه، على صحة الإنسان. وبحسب دورية "البيئة" الدولية، يؤكد باحثون أن التلوث يؤثر حتى على الطفل في رحم أمه، وقد يسبب مشكلات بدنية وعصبية على المدى الطويل. وقدرت الإحصائيات، أن الحد من تلوث الهواء قد يساعد في منع 7.2 مليون حالة ولادة مبكرة سنويا.
 
كما حذرت دراسة حديثة، قام بها باحثون في المملكة المتحدة، من خطر تزايد الإصابة بالضمور البقعي والعمى، بين السكان الذين يعيشون في مناطق ذات مستوى مرتفع من تلوث الهواء.
 
وللبحث أكثر في تأثيرات التلوث البيئي، الناجم عن النفايات وعملية حرقها، على صحة الإنسان، التقينا بإستشاري أمراض الباطنية الدكتور وليد بادي، الذي أكد لنا- بداية- أن الإضرار الصحية التي تصيب الإنسان نتيجة تعرضه لملوثات الهواء الناجمة عن حرق مخلفات القمامة- بشكل خاص- تعتمد على ما تحتويه تلك المخلفات من مواد ضارة وسامة..
 
وأوضح بادي، لـ"يمن شباب نت"، أن الجهاز التنفسي، في الأغلب، يكون هو الأكثر عرضة للضرر من تلك الملوثات البيئية، وخصوصا لدى مرضى الربو، وتشمل الأعراض: الكحة، وضيق التنفس، وحساسية الأنف والصدر..
 
وتابع: كما أن مرضى القلب كذلك، قد يعانون من ارتفاع ضغط الدم، وسرعة دقات عضلته، إضافة إلى إمكانية أن يصاب المعرضين لتلك الملوثات، بحساسية في العين، وتأثر الجلد وتعرضه للحكة، والأكزيما، وغيرها من الأمراض الأخرى..
 
أما في حال كان هناك مواد سامة في القمامة المحروقة، يحذر إستشاري أمراض الباطنية، من أن ذلك قد يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان، وخصوصا سرطان الرئة..
 

ملوثات بيئية سامة وسرطانية

 ولمعرفة نوعية المواد الخطرة المنبعثة عن حرق النفايات، التقينا بأستاذ البيئة والموارد الطبيعية بجامعة تعز، الدكتور أنور الشاذلي، الذي رفع لدينا من نسبة القلق في هذا الجانب، من خلال تأكيده لنا وجود بعض المواد السامة والخطرة، التي قد تنبعث من حرق النفايات، وتؤدي للإصابة بأمراض فتاكة، كالسرطان، وغيره..
 
يقول الشاذلي لـ"يمن شباب نت": هناك جسيمات يتم تنفسها نتيجة احتراق القمامة، مثل الكربوهيدرات، والفورمالدهيد (وهو مركب عضوي غازي، عديم اللون في درجة الحرارة العادية، وسريع الذوبان في الماء، وقابل للاشتعال..)، والذي يعتبر من المواد المسببة للسرطان، بحسب تصنيف الوكالة الدولية لبحوث السرطان، ويتأثر بذلك- بدرجة رئيسية: الأطفال، والحوامل، وكبار السن المصابين بأمراض الرئة والقلب..
 
وأضاف: هناك أيضا مركب الديوكسين، وهو عبارة عن رباعي كلورو ديبننزو بارد ديوكسين، والذي حددته منظمة الصحة العالمية بأكثر من 419 مركبا كيميائيا، تمتلك القدرة على إحداث التسمم، وآثاره الصحية عديدة وخطيرة.
 
وتابع: كما تعرف (هذه المركبات) أيضا، باسم "الملوثات العضوية الثابتة"، التي لها قابلية كبيرة على التفاعل مع النسيج الذهني للكائن الحي، ولها أيضا قدرة على الانتشار في جسم الإنسان والحيوان، وتحدث تحولات كيميائية تؤثر بصورة مباشرة في أعضاء الجسم، وعلى الخلية العصبية، وباقي أجهزة الجسم كذلك..
 
 ليس ذلك فحسب، يستدرك الشاذلي؛ "بل تتراكم عناصر الديوكسين في النباتات والخضروات، وفي جميع الأغذية التي تتعرض لها، خصوصاً وأن هناك تقارير أشارت إلى أنه ثبت وجود مستويات عالية في بعض أنواع التربة التي قد تُخصب بالرماد الناتج عن حرق النفايات، بالإصافة إلى ترسب عناصر الديوكسين أيضا في منتجات الألبان.."
 
ويحذر استاذ البيئة والموارد الطبيعية، من أن ذلك قد يتسبب في ارتفاع الإصابة بأنواع السرطانات، إضافة إلى إمكانية تأثيرها على الإنجاب.
 
ويضيف: كما أن التعرض لها قد يؤدي إلى الإصابة بأمراض جلدية مختلفة، إلى جانب احتمال الإصابة باختلال في وظائف الكبد، أو حدوث خلل في الجهاز المناعي، وكذا عرقلة تطور وظائف الجهاز العصبي..
 

وكوارث بيئية خطيرة 

 

لا تقتصر أضرار التلوث، الناجم عن حرق النفايات، على صحة الإنسان فقط، بل يتعداه إلى البيئة ذاتها، من مياه جوفية، وتربة، ونباتات..الخ؛ ما يوسع من دائرة القلق أكثر، خصوصا وأن منطقة الضباب تعتبر الرافد الرئيسي لمياه الشرب، لمدينة تعز، والسلة الغذائية لسكانها.
 
ويمتاز وادي الضباب بتربته اللحقية (الطميية) ذات الخصوبة العالية، الأمر الذي جعلها مكانا مناسبا للسكن بالنسبة للكثير من المزارعين ومربيي النحل، وحتى العاملين في صناعة الجبن المحلي، الذي تشتهر به المنطقة..
 
ويحذر أستاذ البيئة والموارد الطبيعية، الشاذلي، من أن خصوصية هذا الوادي الخصيب "باتت مهددة بالخطر، وأندثار جماله الفريد، الذي شوهته بعض مظاهر العبث اللامسئول، ليأتي استحداث مقلب القمامة، منذرا بكارثة بيئية وتدهور كبير في المنطقة"..
 
وللتوضيح أكثر، يقول الدكتور الشاذلي لـ"يمن شباب نت"، إن "إحراق القمامة، وبشكل خاص مكوناتها ذات التركيب البلاستيكي، يؤدي إلى انطلاق دخان كثيف، وغازات وأبخرة سامة، ضارة بصحة الإنسان والحيوان، ومنها مركبات الديوكسين المسرطن ومركبات الكادميوم السامة، فضلا عن تسرب أجزاء من نواتج حرق المخلفات من المركبات الكيماوية الضارة بالبيئة، مع مياه الأمطار والسيول، إلى الأراضي الزراعية والمياه الجوفية، ما يؤدي إلى تلويثها".
 
وتابع: ولا يعني إحراق النفايات، انتهاء دورتها الطبيعية، فهي تحمل- عبر مكوناتها- العديد من الأمراض والملوثات التي تعمل على تنشيط أنواع خاصة من البكتيريا، وانتشار الأمراض الاعتيادية والمستعصية، وينتج أيضا سائل ملوث للبيئة، وتهدر قيمة اقتصادية لعناصر ومكونات صالحة لإعادة التدوير..
 
ونظرا لأن مقلب القمامة الجديد يقع في منطقة مرتفعة، فإن ذلك كما يفيد الشاذلي، يؤدي إلى زيادة مساحة تلوث الهواء، وتأثيره على الأنظمة البيئية في وادي الضباب، كالأنظمة الزراعية والحراجية، والتنوع الحيوي كتسمم النباتات، والحشرات النافعة كالنحل والماشية بأنواعها.
 

معالجات وتحذيرات


 
وللتخفيف من الآثار الصحية، على الإنسان، يقدم استشاري أمراض الباطنية، الطبيب وليد بادي، الذي هو أيضا عضو في مبادرة "أنا طبيب أنا معك"، مجموعة نصائح هامة للمواطنين الذين هم عرضة لاستنشاق الدخان الناجم عن حرق القمامة، ومخلفاتها..
 
 وأهمها: تغطية الأنف والفم والوجه، بشكل عام، وبقدر المستطاع، إضافة إلى الابتعاد عنها قدر الإمكان، ومنع صغار السن من الاقتراب منها، وكذلك الاستحمام مباشرة عند العودة إلى المنزل، مع غسل الملابس التي تعرضت للدخان الناتج عن الاحتراق.
 
 كما قدم أستاذ البيئة والموارد الطبيعية، الدكتور أنور الشاذلي، من جهته، عددا من النصائح والمعالجات التي يتوجب القيام بها للتخفيف من آثار التلوث الضارة، التي تسبب به حرق النفايات، على الإنسان والبيئة..
 
 وبشكل عام، يحذّر الشاذلي- بداية- من خطورة إحراق القمامة داخل الأحياء السكنية، داعيا السلطات المحلية في تعز، إلى اتخاذ الاجراءات السليمة في التخلص من النفايات، والحرص على دفن القمامة في المقلب الحالي، بوادي الضباب، بدلا من حرقها، كونه يقع في منطقة حيوية وبيئية هامة مثل وادي الضباب.
 
كما شدد على ضرورة فصل القمامة، وعدم خلطها ببعض، وخصوصا المواد السامة والخطيرة، مثل البطاريات، والبلاستيك، والمواد القابلة للاشتعال، ومخلفات المستشفيات، وغيرها، وفصلها عن الأوراق وبقايا الطعام..الخ
 
ومن أهم الإجراءات والمعالجات التي يقترحها للتخلص من مخلفات القمامة، هو دفن النفايات بطريقة عملية وهندسية، من حيث اختيار الموقع وطريقة الدفن وتغطية النفايات، فضلا عن تشجيع المواطنين على استخدامها، بعد إعادة تصنيعها (تدويرها)، مثل الزجاج والبلاستيك والحديد، إضافة إلى استخدام المحارق المخصصة لمخلفات المستشفيات والمصممة حسب المواصفات والمقاييس العالمية.
 
غير أن هذه النصائح (بخصوص الإجراءات المناسبة للمعالجة)، لا يبدو أنها في متناول اليد- على الأقل في الوقت الراهن. خصوصا وأن تعز، بل واليمن بشكل عام، لا تملتك الإمكانيات اللازمة، المناسبة، للتعامل مع هذا الأمر الخطير جدا، وفقا للطرق الحديثة لمعالجة النفايات ومخلفاتها.
 
وبحسب مدير عام النظافة والتحسين بمحافظة تعز، عبد الله جسار، "تقتصر عملية التخلص من القمامة الواصلة إلى المقلب بطريقتين: الأولى بالدّفن؛ والثانيه بالحرق"، مؤكدا: "وبسبب صغر حجم المقلب، وانحصاره بين جبيلين، وكونه يعد مقلبا مؤقتا، لانستطيع أن نقوم بعمل فرز وتدوير للنفايات، كما هو مطلوب"..
 
وفضلا عن ذلك، يبرر مدير النظافة والتحسين هذا العجز، أيضا، من خلال تأكيده على أن "امكانيات صندوق النظافه لا تكفي للقيام بذلك"، داعيا رأس المال المحلي إلى المشاركة "والاستثمار في مجال فرز وتدوير النفايات".
 

 
 
التلوث وسط المدينة

ويصل حجم النفايات التي تُرفع من المدينه، يوميا، الى مقلب القمامة المؤقت بالضباب، الى 420 طن، وفي بعض الأيام، قد تزيد الى 450 طن، عند الحملات الاضافيه. وفقا للمدير العام.
 
غير أن هذه الأرقام لا تمثل الحجم الفعلي لمخلفات القمامة في مدينة تعز؛ حيث ما يزال المواطنون يستخدمون مجرى السيول الرئيسي، الممتد وسط المدينة؛ لرمي معظم مخلفاتهم، رغم تحذيرات السلطات المحلية عدم القيام بذلك، لما تشكله هذه العملية من أضرار بيئية وصحية..!!
 
وتمتد السائلة من منطقة "صينة"- أسفل قلعة القاهرة بتعز (جنوبا)- حتى نهاية منطقة عصيفرة (شمالا). وخلال موسم الأمطار، تعمل السيول الغزيرة على جرفها، بينما تتكدس القمامة فيها خلال فترات الجفاف، خصوصا في فصل الشتاء، ما يضطر المواطنيين إلى استخدام وسيلة الحرق للتخفيف من هذا التكدس، والتخلص من رائحتها..
 
الأمر الذي يجعل الكتلة السكانية الأكبر (في المدينة)، هي الأخرى عرضة للمخاطر والأضرار الصحية التي حذر منها المختصون، جراء حرق النفايات..!!
 

(صورة توضح حجم تكدس القمامة في أحد أجزاء "السائلة" بحي التحرير الأسفل- وسط تعز)
 

عودة استدراكية.. مخاوف "الضباب"

 بدأ العمل بالمقلب التحويلي (المؤقت)، بوادي الضباب، منذ العام 2017؛ حتى الأن ظهرت بعض الأعراض المرضية البسيطة، كالحساسيات في الشعب الهوائية والالتهابات الرؤية، بين بعض السكان، خصوصا الأطفال- كما ذكرت لنا "أم محمد"، و"هائل الضباب" الذي يعمل في عيادة تعاونية بالمنطقة..

في هذه الأثناء، يبدو الحديث عن الإصابة بأحد الأمراض الخطيرة الفتاكة، مثل السرطان، ما يزال مبكرا، كما يقول المختصون، كون تأثيراته تراكمية، ويحتاج إلى وقت أطول..

غير أن "أم محمد" تركت هذه التطمينات جانبا..؛ ولبرهة، أمسكت الأم المسكينة عن الكلام؛ التفت نحو الوحش القابع بين الجبلين، وهو يواصل نفث سمومه (الدخانية) من على ظهره المتفحم، لتحملها الريح وتوزعها في الأرجاء.. 

وكأنها أرادت التأكد من مخاوفها الخاصة، قبل أن تقرر: "وما يدريك أننا الآن بخير؟ فربما نكون قد أُصبنا بأحد تلك الأمراض الخطيرة، ونحن لا نعلم"..!! قالت "أم محمد" بتردد مليء بالشكّ، لتقرع ناقوس الخطر، قبل أن يتمكن "الوحش" من منطقتها الريفية الجميلة، كليًا، بعد أن حولها إلى كابوس منذ قدومه..!!

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر